الصالح العام والوحدة الوطنية

الصالح العام والوحدة الوطنية

يتحقق مفهوم «الصالح العام والوحدة الوطنية» من خلال الإصلاح والديمقراطية، والتمثيل السياسي لجميع عناصر المجتمع، بحيث يتحقق من خلال هذا التمثيل السياسي العدل وتكافؤ الفرص بين جميع الأفراد والجماعات في المجتمع، وهكذا يتحقق الصالح العام في مناخ التعددية والتمثيل السياسي المتوازن.والصالح العام – بالرغم من اختلاف التعريفات التي تفسر معناه – يستند دائماً إلى نظام مفتوح يسمح لكل فئات المجتمع وعناصره وتياراته بأن يكون لها صوت ورأي، أي بأن تشارك مشاركة حقيقية، تستند إلى معايير المواطنة وسيادة القانون، والمساواة بين جميع أبناء الوطن الواحد، بصرف النظر عن الاختلافات بينهم في الدين أو المذهب أوفي العرق أو الجنس أو اللون.

هكذا يمكن للاستقرار والنظام الإسهام في تحقيق الصالح العام، والمصلحة الوطنية العليا للدولة، خصوصاً في ضوء عدد من الاعتبارات والمؤشرات التي يقف في مقدمتها المؤشرات الآتية:
1ــ تأسيس دولة القانون والمواطنة، وتحقيق مبادئ ومؤشرات سيادة القانون، وبناء دولة المواطنة حيث الطمأنينة والأمان والمساواة التامة بين جميع أبناء الوطن، من دون تفرقة أو تمييز بينهم على أسس من الانتماء لطائفة أو طبقة أو عرق أو جنس أو لون، وهو ما يعزز الثقة بالنظام السياسي.

2ــ ترسيخ الولاء الوطني وحب الوطن، الذي يرتكز إلى عمليات التنشئة، وإلى رصيد المجتمع الثقافي والحضاري وتعبئة المشاعر والأحاسيس الوطنية تجاه الوطن ورموزه، في حاضره وماضيه ومستقبله.

3ــ الوحدة الوطنية بمعنى الترابط والانصهار والتكامل بين أجزاء وعناصر المجتمع الواحد، والتماسك فيما بينها. وتبدو أهمية مثل هذه الوحدة خصوصاً في أوقات المحن والخطر. من هنا فإن الحفاظ على الوحدة الوطنية وتعزيزها يعد أحد أبرز عناصر الصالح العام الذي يتجاوز مصلحة فئة أو جماعة أو أفراد.

وتعد الوحدة الوطنية من أهم الثوابت الوطنية التي لا يمكن تحقيق الصالح العام أو البناء والتقدم إلا بناءً عليها، وهو ما تؤكده تجارب النهضة وبناء الدولة في مختلف النماذج.
فعملية بناء الدولة الحديثة، تستلزم تضافر الجهود الوطنية، ودمج الإرادة الشعبية مع القيادة والنخبة السياسية، وتحقيق الاستقرار والأمن، وترجمة أسس المواطنة في شكل سلوكيات تعبر عن الانتماء الوطني والمساواة بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات، وبناء أسس للمواطنة الاجتماعية، بمعنى الرفاهية للجميع في مجالات كالتعليم والصحة، من هنا تتحقق المشاركة على نطاق واسع، فيسهم جميع أبناء الوطن، على اختلاف فئاتهم وتوجهاتهم وجماعاتهم، في البناء الوطني، في جو من التعاون والانسجام. وبإيجاز فإن الدولة الحديثة لا يمكن أن تتم من دون الوحدة الوطنية.

وعملية الإصلاح والتطوير، والتي يعد المشروع الإصلاحي لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى مثالاً بارزاً له، تفرض وتؤكد على أهمية الوحدة الوطنية، لأن الإصلاح لا يتحقق إلا من خلال توافق الإرادة الشعبية، وتحقيق إجماع وطني، وشيوع ثقافة التسامح وقبول الآخر، والحوار والتعايش، والتعددية التي تقود إلى إثراء الحياة الثقافية والسياسية والاجتماعية، وأيضاَ ثقافة السلام واللاعنف واللاتعصب، وهو ما أكد عليه ميثاق العمل الوطني.

الصالح العام يفرض حماية الوحدة الوطنية التي تقوم على أساس وجود وطن واحد وشعب واحد. وتجسيد الحياة السياسية في إرادة سياسية واحدة. والحقيقة أن وقائع الجغرافيا والتاريخ ومحصلة تجارب الماضي تؤكد تميز تجربة مملكة البحرين في وحدتها الوطنية، ليس فقط على أساس الوطن الواحد و الشعب الواحد وإنما أيضا وفق ما تثبته شخصية المواطن البحريني من روح التكافل والتضامن وأيضا التسامح والانفتاح على الآخر. هذه الوحدة والتجانس الفريد لم يمنع من قيام تعددية في إطار إثراء الحياة الثقافية والسياسية والاجتماعية ، وهكذا فإن روح التعايش والتسامح تعد سمة جوهرية للنموذج البحريني.ويحتاج الأمر دائماً إلى العقلانية وتبني شعارات «الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة»، وتأكيد أصالة التجربة، وخصوصيتها، التي تدور حول التسامح بيننا كأفراد وجماعات، وغرس حب الوطن ومشاركة المواطن في تطويره والمحافظة على استقراره منذ سنوات الطفولة المبكرة عبر الأسرة وما تقدمه من نماذج للإنتماء والولاء، والفكر والممارسة. وللمدرسة أيضاً دور هام في تنشئة الأجيال على احترام رموز الوطن وتقديسها، ورموز وحدته وتماسكه، ووحدة أهدافه في البناء وطموحات المستقبل. كذلك فإن على الإعلام مسئولية التوعية وخلق الثقة بالذات الوطنية، وبالتجربة وبالنموذج الذي تقدمه مملكة البحرين، وأهداف وخطط وطموحات بلادنا ووطنا الذي يعيش فينا قبل أن نعيش نحن فيه.

في إطار المشروع الإصلاحي لحضرة صاحب الجلالة الملك المفدى تبدو الأهمية المركزية لمفاهيم الصالح العام والوحدة الوطنية باعتبارها الدعامة الأساسية التي تستند إليها جهود المملكة وإنجازاتها. وينص ميثاق العمل الوطني على الأهمية والاستمرارية التي يشكلها ذلك التلاحم الدائم بين الشعب والقيادة، والتعامل بواقعية مع التحديات والقضايا الجوهرية. ويؤكد الميثاق – في مقدمته وتحت عنوان شخصية البحرين التاريخية: حضارة ونهضة – تلك الشراكة الدستورية بين الشعب والحكومة «كترجمة لروح الوحدة الوطنية وتجسيد حي لها». كما يأتي الحفاظ على الوحدة الوطنية ضمن أول أهداف الحكم وأسسه وفق الميثاق.ويؤكد الميثاق، في البند أولاً من الفصل الأول، على ضرورة صيانة البلاد ورفع شأن الدولة والحفاظ على الوحدة الوطنية كأولويات وأهداف مركزية تشكل المقومات الأساسية للمجتمع والدولة في مملكة البحرين. كما يؤكد على القيم الرفيعة التي تتمسك بها المملكة، ملكاً وحكومةً وشعباً، والتي تدور حول العدل والمساواة وسيادة القانون والحرية والأمن والطمأنينة والتضامن الاجتماعي وتكافؤ الفرص بين المواطنين، وكذلك قيم التراحم والمودة والتكافل والتعاون، والتواصل بين الحاكم وأفراد الشعب.

ومن ملامح نظام الحكم – الفصل الثاني من الميثاق – توافق إرادة الشعب، على أن يبنى الحكم في المملكة على أساس شكل الدولة الدستوري الذي يجعل مؤسسات الدولة قائمة على أساس المساواة بين المواطنين ومراعاة مصالحهم ووحدتهم الوطنية.

ينص الدستور البحريني، في المادة الرابعة، على قيم العدل والتعاون والتراحم، والمساواة والأمن والطمأنينة بين المواطنين كقيم ودعامات للمجتمع تكفلها الدولة. كذلك تنص المادة 30 على السلام كهدف للدولة، وسلامة الوطن والدفاع عنه كواجب مقدس على كل مواطن. ويؤكد الدستور والميثاق تكراراً على الوحدة الوطنية للشعب البحريني.
معهد البحرين للتنمية السياسية
للتواصل: hb.vog.dpib@ofni

أضف تعليق