دولة الشيعة الكبرى – الخطر القادم على الأمة (1-2-3)

الحلقة الأولى

الطموح الإيراني والخطط الأمريكية وموقف المواطنين الشيعة.

ثمة ملاحظتان يجب إبداؤهما، قبل الخوض في هذه الدراسة، نظراً لِحساسيتها السياسية، فيما تطرحه من خطط لِلأعداء ومن أوضاع داخلية في الدول العربية ومن انقسام مذهبي، وكذلك نظراً لارتباطها بأحداث ساخنة، أو شديدة الوطأة على الأمة:

الملاحظة الأولى: أن ثمة فارق كبير، بين أن يكون هناك مخطط أو إستراتيجية لِفئة أو جماعة أو دولة، تتقاطع فيه هذه الخطة مع خطط الأعداء، وبين أن تكون خطط تلك الفئة، هي خطط من الأصل ومن حيث الأساس، مقصود منها خدمة الأعداء. في الاستراتيجيات السياسية هناك ” اتفاق المصالح ” وهناك” تقاطع المصالح ” والأخيرة هي ما نقصده هنا، وهي تعبير يطلق على استراتيجيات متعارضة، تتقاطع مع بعضها في نقطة أو عدة نقاط في مرحلة [ تكتيكية ] أو في مراحل [ تكتيكية ] رغم أنها قد تكون من حيث الأهداف النهائية استراتيجيات متعارضة أو متضادة.. وبشكل عملي فإن فكرة بناء دولة الشيعة العظمى [ كما سيأتي توضيحه ]، ليست خطة إستراتيجية إيرانية مرحلية، بل هي خطة على المدى الطويل، وفي تضاد مع الإستراتيجية الأمريكية القائمة على التفتيت، وعدم قيام أي كيان مركزي في العالم – وليس في العالم الإسلامي فقط – لكنها في المرحلة الراهنة، تتقاطع مع الإستراتيجية الأمريكية التي ترى في ترك هذه الفكرة الإستراتيجية الشيعية تتفاعل وتنمو، خلال هذه المرحلة، لالتقائها مع خطها الإستراتيجية التي تقوم على تفكيك الدول العربية والإسلامية [ العراق – السعودية – الكويت – البحرين… الخ ].

الملاحظة الثانية: أننا لا نتحدث هنا، عن الشيعة كفرقة من الفرق التي ظهرت في مرحلة من تاريخ الإسلام، كفرقة دينية إسلامية، ولا عن المرحلة اللاحقة لِذلك التي جرى فيها اختلاط عقيدي بدخول أفكار ومعتقدات ومؤشرات حضارية عليها عبر التاريخ فصارت تلعب دوراً مخرباً لِلعقيدة والحكم والمجتمع، لا نتحدث هنا بصفة خاصة عن هذا أو ذاك، وأن كان بطبيعة الحال في الأمر شيء من ذلك، أي من زاوية تأثيرات هذه الفرقة على حركة الإسلام، ودولة الإسلام، وإستراتيجية عودة الإسلام إلى الحكم وإلى قيادة الأمة. والقصة هنا، تحديداً، هو أننا نرى أن التاريخ يعيد نفسه من محاولة لِلشيعة أن يعيدوا دورهم – ضمن ظروف خاصة بالمرحلة الراهنة – في بناء كيان، كبير، يكون الحكم فيه لأفكارهم، وفي مواجهة حركة الأمة أو كحركة موازية أو بديلة للإسلام السني.

دولة الشيعة العظمى: شهد التاريخ الإسلامي، عبر مراحله المتعددة والمختلفة، محاولات من الشيعة ” لِحكم ” دول ومجتمعات إسلامية، وقامت بالفعل دول تحت حكم الشيعة كان أشهرها الدولة الفاطمية في مصر، وجرت ضمن هذا الإطار محاولات ” تشييع الأمة كلها ” والسيطرة على دولة الخلافة، أو أجزاء منها، وسط حالات من التحركات الدعوية والبنائية في أرجاء أو أجزاء أخرى منها، وذلك في مواجهة السنة، غير أنها جميعاً انتهت إلى الفشل. شهد التاريخ الإسلامي ذلك، فما الذي نقصده هنا بدولة الشيعة العظمى اليوم ؟! ثمة ملامح يمكن قراءتها، من أحداث المرحلة السياسية الأخيرة، تؤكد في مجموعها، أن ثمة خطة لِبناء هذه الدولة، وأيضاً في مواجهة الإسلام السني، بلا خطة أو قيادة موازية ومكافئة حتى الآن. المؤشر الأول عن خطة بناء الدولة الشيعية الكبرى: حينما قامت الثورة الشيعية في إيران، بقيادة الخميني، طرحت الثورة فكرة التصدير للخارج ” تصدير الفكر والنمط والأسلوب “، وإذا كان الكثيرين – بما فيهم أصحاب الثورة نفسها وقادتها – قد تصوروا أن تصدير الثورة، يأتي بإثارة الاضطراب داخل الدول الأخرى، عن طريق دعم الجماعات الشيعية فيها، فإن الذي استقر بعدما هدأت أحداث الثورة، وتحولت الثورة إلى دولة، هو أن فكرة تصدير الثورة باتت فكرة إستراتيجية وليست فكرة تكتيكية مباشرة. ويمكن القول أن فكرة الدولة الشيعية الكبرى، باتت هي الإستراتيجية السياسة الخارجية الإيرانية وأن السياسة الخارجية الإيرانية باتت ضوابطها ومحدداتها، مؤسسة على فكرة قيام هذه الدولة. لقد احتار الكثيرون في الموقف الإيراني، من الولايات المتحدة، وكانت القراءة المقدمة داخل المجتمع والمصدرة لِلخارج، هي أن ثمة معتدلين [ إصلاحيين ]، وثمة متشددين، في الموقف من أمريكا. لكن الفهم الحقيقي، هو في فهم فكرة ” الدولة الشيعية الكبرى “، حيث جوهر موقف الاتجاه الإصلاحي، ليس إلا، عدم الدخول في مواجهة حالة مع الولايات المتحدة، لا من خلفية أن ذلك يخدم الإسلام والمسلمين، ولكن من زاوية أن ذلك يمكن إيران من تحقيق ظروف أفضل تمكنها من بناء الدولة الشيعية ” على نار هادئة ” إلى أن تأتي مرحلة تقف فيها على أقدامها، وينتهي التقاطع فيها مع الإستراتيجية الأمريكية.

ومن خلال هذا المؤشر يمكن تفسير مواقف الدولة الإيرانية في التعامل مع العدوان على أفغانستان وعلى العراق… وفي التعامل مع روسيا، وتركيا والسودان وغيرها.

[أ] – الموقف من أفغانستان: حينما بدأ التحضير لِلعدوان الأمريكي على أفغانستان، كان التصور المتوقع لِرد الفعل الإيراني، في ضوء أن احتلال أفغانستان إنما هو احتلال لِدولة إسلامية، وأن الاحتلال سيكون معناه حصار إيران.. الخ، كان التصور هو أن ترفض إيران العدوان، وأن تفتح حدودها أمام المجاهدين الإسلاميين لِتكون إيران القاعدة الخلفية لِلجهاد داخل أفغانستان وأن تفتح أراضيها لِلقادمين من الخارج لِلذهاب إلى أفغانستان… الخ، لكن ما حدث بالدقة هو أن إيران، حددت سياستها حيال هذا العدوان من زاوية رئيسية هي، ما هو نصيب الشيعة في الحكم بعد توجيه الضربة الأمريكية إلى حركة طالبان [ السنة ] والقاعدة بقيادة الشيخ أسامة بن لادن، وقد كان لإيران موقف واضح قبل الغزو الأمريكي من حركة طالبان والقاعدة، وصل إلى حد التهديد بالحرب. لقد كرست إيران كل سياستها في أفغانستان خلال عدوان 2001 من منظور مصلحة الشيعة داخل أفغانستان، وهذا هو ما يفسر الموقف الأمريكي بدوره من الشيعة في أفغانستان، حيث لم نسمع عن قتال ضد الشيعة، وبطبيعة الحال لم نسمع عن قتال من الشيعة ضد القوات الأمريكية التي شنت العدوان على أرض أفغانستان.

[ب] – الموقف من العراق: في مواجهة العدوان الأمريكي البريطاني على العراق، كان الموقف الإيراني وموقف الشيعة في العراق، محل حيرة بالغة من كل المراقبين لما يجري. كان الشعار الرئيسي الذي طرحته إيران وطرحه الشيعة داخل العراق، هو أن موقفهم ” محايد ” في قضية إزالة نظام صدام حسين، وإنهم ضد العدوان في آن واحد. ما الذي يجمع بين الفكرتين، كان السؤال محيراً، غير أن فهم منطق ” مصلحة الشيعة ” وبناء دولة الشيعة الكبرى، هو الذي يفسر الموقف الإيراني، حيث رأت إيران وشيعة العراق في نظام صدام حسين ” السني ” عدواً مباشراً لهم، أخطر من عداء الأمريكان، في هذه المرحلة، فباتوا محايدين بين الحكم في دولة مسلمة… والمعتدين على هذه الدولة المسلمة، بالارتكان إلى فكرة أن الحاكم [ صدام حسين ] نظامه قمعي ضد الشيعة، أن مصلحة الشيعة في ” التحرر “، أهم من مصلحة العراق في ” الاستقلال “. وبمعنى أخر، كانت تجربة تقاطع المصالح يبن العدوان الأمريكي على دولة أفغانستان السنية المسلمة – بسبب أن العدوان سينتج عنه حرية الشيعة – تكرر في العراق، حيث تقاطعت المصالح بين العدوان الأمريكي على دولة العراق، وحكمه السني، مع مصلحة تحرير الشيعة، حتى وأن كانت النتيجة احتلال العراق كله. لقد شاركت مراجع دينية وسياسية شعبية في اجتماعات المعارضة [ المرتبطة بأمريكا ] التي جرت في الخارج، وشاركت في كل اجتماعاتها في شمال العراق وداخل الوطن المحتل، وحاولت بكل الطرق أن تجد لنفسها مكاناً، في عراق ما بعد العدوان، تحت السيطرة الأمريكية، بناءً على فهم بأن العداء مع صدام حسين في هذه المرحلة، واجب الحسم، باعتباره الخطر المباشر، وباعتبار أن الاحتلال الأمريكي ليس الخطر المباشر! لكن الذي يسجل هنا، هو أن جمهور الشيعة، لم يقف مع العدوان، وقد كان لهذا الموقف في جنوب العراق، وقع الصدمة على القوات الأمريكية التي بنت خطتها العسكرية على افتراض سياسي، بأن الشيعة سينتفضون ضد الحكومة والجيش العراقي، مع وصول الأعمال العسكرية إلى المدن والقرى التي يتواجدون فيها. وهذا ما سنعود إليه في الحلقة الثالثة.

بقلم: أحمد الوكيل.

نيوز أرشيف

———————–

دولة الشيعة الكبرى الخطر القادم على الأمة ـ الحلقة الثانية.

الطموح الإيراني والخطط الأمريكية وموقف المواطنين الشيعة

تحدثنا في الحلقة السابقة حول، تقاطع المصالح بين الخطط الأمريكية في العدوان على الأمة، وبين مصالح الشيعة، حسب الإستراتيجية الإيرانية، وأشرنا إلى أن ذلك هو ما يفسر الموقف الإيراني من العدوان الأمريكي على أفغانستان والعراق، لكن الأهم الآن وفي هذه الحلقة، أن نشير إلى أن القضية أبعد من مجرد التقاء في هذا الموقف أو ذاك، في هذا العدوان أو ذاك.

ذلك أن الولايات المتحدة، تنظر لِلطموح الإيراني لِبناء دولة الشيعة الكبرى – نشدد هنا على كلمة الطموح – تنظر له باعتباره أهم عامل في الالتقاء مع الخطة الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة، خطة تفتيت الأمة الإسلامية، أو تفتيت كياناتها ” الوطنية ” الراهنة…

بل يمكن القول بكل ضمير راض، أن الالتقاء بين الخطة الأمريكية ومخطط الدولة الشيعية الكبرى حسب الإستراتيجية الإيرانية، في وقائع العدوان على العراق وأفغانستان، ليست إلا مؤشرات أولية، بينما الأخطر ما يزال قادماً في الطريق! تفكيك ” الدول الإسلامية “؟

تقوم الفكرة لِدولة الشيعة الكبرى، على تجميع الشيعة تحت راية دولة واحدة، أو لِنقل أنها تقوم على فكرة ” إستراتيجية موحدة لِلشيعة ” يتحرك في ظلها وضمن خطوطها، كل الشيعة في الدول العربية والإسلامية، والنظر لإيران على أنها الدولة الأم والمحور الاستراتيجي في قيام هذه الدولة وبناء إستراتيجية قيامها، وهو ما يعني تفتيت الدول الإسلامية الحالية سواء ظل الإطار الخارجي [ الوطن – الحدود – الجغرافيا ] كما هو أو تغير، حيث أن ولاء الشيعة في أية دولة من الدول الإسلامية إلى دولة إيران ومرجعياتها الدينية والسياسية واعتبارها هي الدولة المرجع والدولة الوطن والدولة القائد وإنما يحدث باختصار انقساماً داخلياً خطيراً داخل كل دولة من الدول العربية والإسلامية.

وللتوضيح ببعض من الأمثلة، فإن حزب الله في لبنان ألغى مرجعيته المعتمدة لمدة ليست بالقصيرة إلى الشيخ محمد حسين فضل الله، بتحويل مرجعيته بعد ذلك، إلى خامنئي في إيران، الذي صار هو المرجع لِحزب الله، وحيث أصبح الشيخ حسن نصر الله هو ” الوكيل الشرعي ” لخامنئي في لبنان. كما تحولت إستراتيجية الحزب إلى إستراتيجية شاملة الارتباط بإيران الدولة وليس لإيران المرجعية الدينية فقط. وأصبح من يزور ضواحي الشيعة في لبنان، يشعر وكأنه في قطعة من طهران حيث صور الخميني خامنئي… الخ. بل يمكن القول، وربما كان ذلك مفهوماً لدى البعض، أن المعركة التي جرت في مرحلة من تاريخ الشيعة في لبنان، بين حركة أمل الشيعية بقيادة نبيه بري، وحزب الله الوليد، المرتبط بإيران، كانت في جوهرها، صراعاً على المرجعية… وعلى الارتباط بالعروبة والعلاقات بالسنة، أو الاستقلال منها. والارتباط بإيران والدخول ضمن إطار دولة الشيعة الكبرى… هذا كله حدث بينما كانت ظاهرة التشيع أساساً نتاجاً من نتاجات جبل عامر في لبنان.

إن نفس الأمر جرى، وما يزال يجري في معركة ضارية على شيعة العراق، فبينما كان هناك بعض المرجعيات، التي ترى أن الارتباط الشيعي بالعراق وبالسنة، وداخل إطار الوطن العراقي، أمر مقدم على الارتباط بإيران، وعلى التحول باتجاه دولة الشيعة الكبرى، كانت هناك تيارات ومرجعيات، ترى عكس ذلك، والأخيرة هي التي ارتبطت بإيران تمويلاً وتنظيماً وتسليحاً، وأهمها الحركة التي يرأسها باقر الحكيم… وهذه الحركة، تطور موقفها، بشكل خطير، في الارتباط بإيران على نحو، جعلها ترسم تحالفاتها مع العدوان الأمريكي معتبرة أن مصلحة الشيعة أهم من مصلحة العراق، وان مصلحة إيران مقدمة على مصلحة العراق. وقد ظهرت بطبيعة الحال، مرجعيات وتحركات أخرى، خرجت من هذا الموقف المرتبك وارتبطت بالأمريكان والبريطانيين على نحو لا يقبل ” الارتباك “، كما هو حال الخوئي، الذي قتل فور عودته على العراق في ظروف غامضة حتى الآن.

في أفغانستان كان الموقف مروعاً، حيث وصلت درجة الخلاف إلى أن أصبح الشيعة ضمن إطار تحالف الشمال الذي ارتبط كاملاً بالولايات المتحدة والهند وروسيا وإيران! إن الخطر في هذه الأمثلة الصارخة، واضح ومحدد، ، لكن الأخطر، هو ما يجري في دول لم تصل فيها هذه الصراعات إلى الذروة الراهنة، كما هو الحال في السعودية والبحرين وعمان والكويت وغيرها، حيث يتوقع تنامي ” الانفصال ” الشيعي من ” الشعور الوطني “، بزخم ما جرى في العراق، التي يخوض الشيعة فيها صراعاً الآن، حول حقهم في حكم العراق، باعتبارهم الأغلبية السكانية فيه!.

الالتقاء مع الخطة الأمريكية: كما هو معلوم فإن الخطة الأمريكية والبريطانية في أمتنا تقوم على عملية التفكيك والتفكيك. وإذا كانت النتائج لِنجاح تلك الإستراتيجية متعددة، تبدأ بأن يصبح الكيان الصهيوني، هو الدولة الوحيدة القوية والمهيمنة على المنطقة، ودون منازع، ولا ينتهي عند حدود التخطيط لِتدمير العقيدة وإنهاء وحدة جسد وتراب الأمة فإن ما يهمنا هنا هو أن فكرة التفتيت لا تقوم على إستراتيجية العدوان العسكري المباشر فقط، بل ربما يأتي العدوان العسكري المباشر، كخطوة أخيرة، إذ الأهم هو جعل التفتيت ظاهرة ” طبيعية ” وموغلة في “القوة” والطبيعية داخل الكيانات العربية والإسلامية. وإذا كان بديهياً الآن أن نشير إلى تحريك الولايات المتحدة لِلأقليات داخل الدول والكيانات العربية والإسلامية، كما هو حادث في قضية الأقباط في مصر، والوثنيين الأفارقة في جنوب السودان، وكما هو حادث بالنسبة للبربر في الجزائر، وللموارنة في لبنان… الخ.

فإن الأهم بالنسبة لِدول الخليج، كما هو بادي وحادث هو، التقسيم المذهبي، بين السنة والشيعة. وهنا، إذا كانت الخطة الإستراتيجية الإيرانية، تقوم في هذه المرحلة، على إيقاظ الحالة الشيعية، وتحويلها إلى تجمعات منفصلة مذهبياً بعمق، وتتحول مشاعرها رويداً رويداً تجاه الولاء لإيران، بعيداً من الولاء لِلدولة المتواجدين في الموطن الشيعي، وإلى دفعها إلى المطالبة السياسية بالحقوق باعتبارهم جماعات أخرى… الخ.

فإن الولايات المتحدة وبريطانيا والكيان الصهيوني بطبيعة الحال، تغذي هذه الفكرة، وتتقاطع مصالحها في هذه المرحلة من الخطة الإيرانية، وترى فيها، تمهيداً متميزاً لِلتفتيت، يمكنها أن تستغله فيما بعد، في إحداث حالات اضطراب شديدة، تمهد لها الأسباب لِلتدخل، والمدهش أنها ستكون في هذه الحالة الممسكة بخيوط العلاقات مع الحكومات ” السنية ” ومع الأقليات الشيعية، على نفس نمط ما حدث في العراق؟!

بقلم: أحمد الوكيل

نيوز أرشيف.

————————-

دولة الشيعة الكبرى الخطر القادم على الأمة ـ الحلقة الثالثة.

الطموح الإيراني والخطط الأمريكية وموقف المواطنين الشيعة

أشرنا في الحلقتين السابقتين إلى أن ” خطة دولة الشيعة الكبرى ” بزعامة إيران، تتقاطع مع الخطة الأمريكية لِتفتيت ” الدول ” العربية والإسلامية، حيث من مصلحة الخطتين ” تفتيت ” المنطقة، وأن كانت تختلفان استراتيجياً، حيث التفتيت من وجهة النظر الإيرانية والخطة الإيرانية بهدف بناء كيان شيعي كبير، وحيث التفتيت من وجهة النظر والخطة الأمريكية، هو تفتيت لمصلحة الكيان الصهيوني.

وإذا كنا أوضحنا أن ذلك هو ما يفسر الموقف الذي اتخذته إيران في العدوان الأمريكي على أفغانستان، حيث غلبت خطر طالبان والقاعدة على خطر العدوان الأمريكي، وبناء القواعد على حدودها، وأن ذلك ما يفسر الموقف الإيراني من العدوان الأمريكي على العراق، حيث شاركت الفصائل الشيعية المرتبطة بها في اجتماعات المعارضة العميلة، كما يفسر الموقف الإيراني من العدوان نفسه حيث رأت إيران أن العدوان الأمريكي أقل خطورة من بقاء نظام صدام حسين بسبب قمعه للشيعة.

وفي هذه الحلقة نشير إلى موقف الشيعة وجمهورها من الخطة الإيرانية، وأن نجيب على التساؤل الهام وهو كيف نتعامل مع هذه الظاهرة ذات التأثير الأخطر من كل ما مضى ومن كل ما يجري، بالنظر إلى دورها الداخلي المكمل لِدور التفتيت الخارجي.

مدارس الشيعة ومرجعياتهم والولاء لِمن؟ يمكن القول أن ثَمةَ تمايزات داخل الشيعة، الطبيعي أن اتساع ظاهرة التعاطي مع فكرة الدولة الشيعية الكبرى، ستزيد من تهديدها. الأزمة في العراق تظهر ذلك، حيث يدور صراع حول الولاء لِلمرجعيات الإيرانية، والولاء للمرجعيات الشيعية العراقية، خاصة وأن ” النجف ” تمثل مرجعية أعلى بالنسبة لِلشيعة، حتى أن أهم المرجعيات الشيعية الإيرانية، في الأصل تلقت تعليمها على يد المرجعيات الشيعية في النجف.

وكما سبق فقد أشرنا، فإن نفس القضية كانت مطروحة بقوة في لبنان، حزب الله تمكن من نقل مرجعية معظم الشيعة إلى المرجع الإيراني الشيعي على خامنئي، إلا أن بعض من الشيعة ورمزهم السياسي، حركة الأمل، لا تزال على غير ذلك. وتلك في مجموعها قضايا مفهومة، لكن القضية الأبرز، هي أن التقاطع الذي جرى – وما يزال – بين الخطة الإستراتيجية الأمريكية لتفتيت كيان ودول العالم الإسلامي انطلاقاً من البعد المذهبي، والخطة الإيرانية للتفتيت في دول الجوار، لكي يعاد تركيب الأوضاع لِبناء الدولة الشيعية الكبرى، هاتين الإستراتيجيتين ستأتي مرحلة عليهما، تتباعدان فيه، وتنقلب كل منهما ضد الأخرى، فالولايات المتحدة في خطتها الكونية، تحاول بكل الطرق إضعاف أية قوة إقليمية مهما كانت درجة التماس معها، ولا يستثنى من ذلك إلا الكيان الصهيوني، باعتباره دولة مرتبطة تكوينياً ووظيفياً وحضارياً وسياسياً وعلى كل الأصعدة بالدولة الأمريكية وليس بالإستراتيجية الأمريكية فقط.

وتلك هي المرحلة الأخطر، التي يتصور أن الوضع فيها سيكون بالغ الخطر، حيث تصبح كيانات وتجمعات الشيعة التي يتوقع أن تتمكن تلك الخطة من فصلها ” وطنياً وقومياً وإسلامياً “، عن أوطانهم الأم.

ماذا نفعل استراتيجياً ؟! تبدو مواجهة هذه الحالة على المستوى المباشر أو البعيد، محاطة بعدة اعتبارات كل منها ذو تأثير يستدعى تقديره في الموازنة الكلية.

أول هذه الاعتبارات هي، أن الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية على أنظمة الحكم العربية، تحت دعاوى الديمقراطية، إنما جزء من أهدافها خلق بيئة ومناخ للتفكيك، فالخطة الأمريكية لا تستهدف بطبيعة الحال، نيل الشعوب لِحرياتها أو تداول السلطة بين قوى تسيطر على الشارع حالياً وهي القوى الإسلامية. وهذا يتطلب طرح بديل ديمقراطي شوري يقوم على تمكين الحركة الإسلامية من البناء انطلاقاً منها.

والعامل الثاني: في المواجهة لهذه الحالة، تتطلب أعلى درجة من الدقة، حتى لا تزيد الأمور اشتعالاً، ونقود أنفسنا بأنفسنا إلى ” صراع مذهبي “، أو صراع قد يبدو مذهبياً، الأمر الذي يوسع من فكرة ” العزلة والتمايز ” التي تسعى إليها الخطة الأمريكية.

والعامل الثالث: هو أن العامل الحاسم في هذه المعركة هو تحديد العدو بدقة، في كل مرحلة، وحشد كل القوى في مواجهته، والحرص بكل الطرق على تحييد بعض الجبهات في لحظات الحسم، ومعنى ذلك بالدقة هو أننا مطالبون بخطة متحركة، على أوسع نطاق من قدرة التحكم في تفاعلاتها، في الداخل، مع أعلى قدر من الثبات في مواجهة العدو الخارجي.

والعامل الرابع: أن المشكلة التي نعاني منها، هو أننا كمسلمين ” أهل السنة والجماعة “… لا توجد لدينا… قيادة مجمعة أو موحدة… أو خطة إستراتيجية أو تكتيكية كما هو الحال في مواجهة كل التعقيدات والاستراتيجيات المحددة والمنهجية، المرسومة ضدنا بدقة وإتقان! إن أحد أسباب جعل إيران مركز استقطاب هو أن المسلمين بلا مركز قوة لِلاستقطاب، وتلك هي القضية العاجلة.

بقلم: أحمد الوكيل

نيوز أرشيف

أضف تعليق