على منظمات حقوق الإنسان تغيير آلياتها وطريقة تعاملها

على منظمات حقوق الإنسان تغيير آلياتها وطريقة تعاملها

image
بقلم: عمر الحسن

في بيان غريب وغير مفهوم البتة ويبتعد تمامًا عن نطاق عمل واختصاص منظمات حقوق الإنسان أشادت «هيومن رايتس فيرست» يوم 1/7/2011 بترشيح واشنطن سفيرًا جديدًا لها في المنامة، وحاولت الزعم – استنادًا إلى منظمات حقوقية تدعي أنها بحرينية – بوجود ارتباط بين هذه المسألة وبين حقوق الإنسان في المملكة، رغم أنه من المعلوم أن عمل أي سفير يدخل في نطاق الدبلوماسية، وما تقتضيه من تسوية المشكلات بين الدول عبر الحوار ورعاية المصالح، شريطة عدم التدخل في شؤون الدول الداخلية.

والأمر المؤسف أيضًا أن المنظمة ذاتها، ورغم ترحيبها بقرار جلالة الملك تشكيل لجنة مستقلة ومحايدة بالتعاون والتشاور مع مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة للتحقيق في الأحداث التي شهدتها البحرين، فإنها حاولت التشكيك في مصداقية أو ما يمكن أن يتمخض عن عمل اللجنة من نتائج، رغم حياديتها واستقلاليتها، وما عرف من نزاهة أعضائها، فضلاً عن أنه لا يجوز استباق نتائجها قبل صدورها.

وفي خطوة لا تقل غرابة عن سابقتها أصدرت منظمة «هيومن رايتس ووتش» تقريرًا في 5/7/2011 جاء تحت عنوان «أزمة حقوق الإنسان في البحرين»، وذلك في الوقت الذي نجحت فيه المملكة في تبني متطلبات إنجاح المصالحة كافة وإزالة ما شهدته من مظاهر احتقان سياسي واجتماعي، بما اتخذته من إجراءات تمهد السبيل أمام نجاح الحوار الوطني الذي بدأت فعالياته في الثاني من يوليو الجاري، بمشاركة أطياف الشعب البحريني كافة، بما فيها المعارضة، والذي شككت في إمكانية خروجه بنتائج حقيقية وملموسة.. ما يجعلنا نتساءل هل يعني البديل من وجهة نظرها استمرار الاحتقان وربما التصادم بما لا يعود بالخير على السلم الأهلي واللحمة الوطنية في المملكة؟

وليس هذا فحسب، وإنما شككت هاتان المنظمتان ومعهما أيضًا منظمة العفو الدولية في مصداقية ونزاهة المحاكمات التي شهدتها المملكة في أعقاب الأحداث المؤسفة التي تعرضت لها، بل حاولت التأثير في مآل هذه المحاكمات، وما قد يصدر عنها من أحكام، وهي التي لا تجرؤ على التعليق على أحكام القضاء في بلدانها، إضافة إلى مبالغتها في أعداد المعتقلين ووصفها لهم بأنهم سجناء رأي، وهو الهجوم الذي يدحضه أن ما شهدته المملكة كان حالة هددت أمنها واستقرارها ونسيجها الاجتماعي، ورغم لجوء بعض دول العالم في مثل هذه الحالات إلى تطبيق أسلوب المحاكم العسكرية، فإن البحرين لجأت إلى إنشاء محاكم خاصة هي محاكم «السلامة الوطنية» وهي ليست محاكم عسكرية؛ إذ تضم في عضويتها قاضيين مدنيين وقاضيا عسكريا واحدا، كما اتسمت بالشفافية والعلانية والنزاهة ومنح الضمانات كافة للمتهمين للدفاع عن أنفسهم.

فضلاً عن أنه إذا كان من حق هذه المنظمات المطالبة بحقوق إنسان مظلوم فهذا دورها، أما أن تدافع عن إنسان ارتكب جرمًا قتل فيه إنسانا أو دمر مبنى أو مقرا حكوميا أو محطة توليد كهرباء فهذا غير مقبول، رغم أن النظام الأساسي لمنظمة العفو الدولية – التي أنشئت عام 1961 – يشترط الدفاع عن المعتقلين السياسيين أو سجناء الرأي شريطة ألا يكونوا قد ارتكبوا جرمًا أو لجأوا إلى العنف أو دعوا إلى استخدامه لإعلان رأيهم أو معتقداتهم، وهو ما حدث من جانب من تم إلقاء القبض عليهم ومحاكمتهم في البحرين.
ما سبق، يقود إلى استخلاص ملاحظات عدة ترقى إلى مستوى الحقائق إذا ما قيست على مستوى أداء هذه المنظمات بشكل عام وليس البحرين فقط، وهي:

– ازدواجية وجمود تعاملها مع قضايا حقوق الإنسان على المستوى الدولي عمومًا، والإقليمي خصوصًا، بمحاولاتها العديدة التشكيك في مصداقية ما تشهده المنطقة العربية من تطورات نحو الأحسن في أوضاعها الحقوقية، والدفاع عمن ينتهكون حقوق غيرهم بدعوى الدفاع عن حقوق الإنسان، ولعل النموذج الإسرائيلي في فلسطين خير شاهد على ذلك، وكذلك تجاهلها التطورات الإيجابية في حقوق الإنسان في البحرين وآخرها إنشاء وزارة خاصة لحقوق الإنسان فيها.

– رغم أنه من المفترض أن تركز هذه المنظمات في جهودها وتحركاتها في تدعيم السلام وحقوق الإنسان، وليس «تحريض» الدول الكبرى على الدول النامية بدعوى حماية تلك الحقوق، فإن اللافت للنظر هو اتجاهها إلى العمل على تأجيج الأوضاع الداخلية في هذه الدولة أو تلك بتبني وجهة نظر أحد الأطراف وتجاهل وجهة نظر الطرف الآخر، متناسية أن المصداقية، التي هي أساس عملها، تتطلب التعامل مع المعلومات التي ترد إليها بنوع من التفحص والتدقيق، حتى لا تحيد عن أهدافها ومعاييرها.

– بدلاً من أن تهتم هذه المنظمات بالجانب الإنساني في أعمالها وتقاريرها، إذا بالجانب السياسي يطغى على عملها.. وهو ما يهدد الاستقرار السياسي والتماسك الاجتماعي في أي دولة تكون محل انتقاد، نظرًا لكونها تشجع بذلك على زيادة الاحتقان الداخلي، بدلاً من العمل على تهدئة الأمور؛ وذلك لأنها تركز في أطراف النزاع لا معالجة الانتهاكات.

هذه الحقائق بدورها تسلط الضوء بوضوح على أن مطالبة المنظمات الحقوقية غير الحكومية الدول بتطوير أنظمتها وقوانينها بما يتناسب مع روح العصر، وذلك بذريعة الدفاع عما ترى هذه المنظمات أنه انتهاكات لحقوق الإنسان، وهو الاختصاص الذي يكاد يقتصر على الاتفاقيات والمعاهدات الحقوقية الدولية، عبر مطالبتها الدول الأطراف فيها باتخاذ تدابير تشريعية وتنفيذية لضمان احترام الحقوق الواردة فيها، يجب أن يتوازى معه – أي هذا المطلب – أن تقوم هذه المنظمات نفسها بتغيير آلياتها هي حتى لا تحيد عن أهدافها التي أنشئت من أجلها؛ فهي حتى الآن مازالت أسيرة ظروف ومبادئ يرجع بعضها إلى عقود طويلة مضت قد تزيد على نصف قرن منذ نشأتها، رغم ما طرأ على قضايا حقوق الإنسان في العالم من تطورات عدة، في ظل بروز العولمة وانهيار الحواجز بين الدول وتحول العالم إلى قرية كونية صغيرة، وتنامي الاتجاه نحو تدويل قضايا حقوق الإنسان، التي لم تعد مسألة تندرج ضمن الاختصاص الداخلي للدولة، وما يترتب على ذلك من لجوء هذه المنظمات إلى مراقبة ما يجري داخل أي دولة، الأمر الذي يفرض عليها كما سبق القول مراجعة وتحديث آليات وأساليب تعاملها مع هذه القضايا، ولاسيما في ظل خصوصية تلك المسألة وارتباطها بعادات وتقاليد وقيم الدول والمجتمعات.

وفي النهاية لا يبقى سوى القول إن المنظمات الحقوقية الدولية غير الحكومية باتت مطالبة بالعمل على مراجعة آليات عملها، وذلك في ضوء ما كشفت عنه تقاريرها وبياناتها الأخيرة بشأن أحداث البحرين من تناقض ونفاق واضحين بين ما تحتوي عليه من انتقادات ومزاعم ضد البحرين، وما هو قائم على أرض الواقع من ناحية، وضرورة استناد تلك التقارير من ناحية أخرى إلى المصداقية والمعايير والقيم المناسبة؛ إذ إن بعض القضايا التي ربما تندرج في سياق الحقوق السياسية والحريات المدنية في دول الغرب، قد لا تكون كذلك بحكم الثوابت والقيم الثقافية العربية والإسلامية، ناهيك عما تحظى به المؤسسة القضائية في أي دولة من دول العالم من حصانة واستقلالية تجعلانها بمنأى عن التدخل في أحكامها أو محاولة التأثير في عمل قضاتها.

وهنا، على الدول العربية عمومًا، والبحرين خصوصًا، اتباع سياسة الرد على تقارير هذه المنظمات والعمل على تفنيدها من جهة، ومن جهة أخرى توظيف أدواتها الدبلوماسية والشعبية كافة لإيضاح حقيقة ما تشهده من أحداث أمام الرأي العام العالمي، ولعل قرار مملكة البحرين تشكيل لجنة مستقلة لتقصي حقائق الأحداث الأخيرة خطوة مهمة تصب في هذا الإطار.
وأخيرًا، رغم تقديري المستمر واعترافي بأهمية جهود المنظمات الحقوقية الدولية، ولاسيما غير الحكومية، في الدفاع عن حقوق الإنسان، فإن عليها أن تعلم أنها حينما تقوم بتشويه صورة بلد ما باعتمادها على معلومات مغلوطة ومصادر غير موثقة لاستقاء معلوماتها والتحيز لطرف من دون الآخر ستؤثر في أمنه واقتصاده وفي السياحة فيه وكذلك في تدفق الاستثمارات إليه، وفي النهاية في المستوى المعيشي لمواطني هذه الدولة، وهو ما يعد في حد ذاته انتهاكًا تقوم به المنظمات لحقوقه في أن يحيا حياة كريمة وآمنة.

أضف تعليق